الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية أبــطــال الـبـاكـالـوريــــا والسيزيام: حين تتحدّى العزيمة والعمل كلّ عوامل الفشل

نشر في  13 جويلية 2016  (10:50)

 «إسماعيل خوالدية» ..»لؤي بو عافية».. «درصاف».. «سعاد الموفّق».. اختلفت الأسماء وتعدّدت الفصول لكن حكايات النجاح والتألق التي زيّنتها إرادة القوة وهزيمة الفشل واليأس وتذليل الصعوبات وحدت طرقهم وبنت حجر أساس أهدافهم المستقبلية..
أخبار الجمهورية ارتأت في هذا العدد نفض الغبار عن حكايات هؤلاء الأبطال الذين أنجبهم هذا الوطن، والذين استطاعوا رغم صغر سنهم ونعومة أظافرهم أن يهتفوا  بـ«لا» للفشل والهزيمة وبـ«نعم» للأمل والإرادة والاجتهاد...
البداية كانت مع قاهر المرض الذي غالب لحظات اليأس والألم وهو البطل العبقري الشاب «اسماعيل خوالدية» الذي استطاع بطموحه وقوة إرادته وعزيمته اجتياز امتحان الباكالوريا في دورته الرئيسية بمعدّل متميّز قدّر بـ16.68.. لم يكن لقاؤنا معه عاديا أو بسيطا ولم يكن حديثه معنا اعتباطيا فقد كشف طاقة الأمل وموجات الثقة بالنفس العالية التي نحت الزمن علاماتها في مخيلته وفي تقاسيم وجهه المفعمة بالحياة..

اسماعيل خوالدية: «قاهر المحن»

اسماعيل الشاب ذو التاسع عشرة سنة وهو أصيل ولاية قفصة تحديدا منطقة رأس الكاف أخبرنا خلال لقائنا معه كيف استطاع التغلب على مخلّفات الحادث الخطير الذي تعرض اليه يوم اجتيازه «الباك سبور» في الرحلة التي كان قد نظمها المعهد النموذجي الذي كان ينتمي اليه، حيث  أكّد لنا انه عاد الى الحياة بعد نجاته من موت محقّق جرّاء ذلك الحادث الخطير الذي اصابه برجّة دماغية كانت ستكلفه حياته..
كما أسترجع اسماعيل خلال حديثه معنا لحظات الالم التي رافقت العلاج الذي مازال يخضع اليه الى يومنا هذا، مشيرا الى انّه قبع 7 ايام في قاعة الانعاش بمستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس وهو في حالة غيبوبة كاملة. .
وبخصوص كيفية تمكنه من اجتياز مناظرة الباكالوريا والتحصل على ذلك المعدل رغم انه كان طريح الفراش ولم يكن قادرا على تحريك أطرافه، أكّد لنا اسماعيل انّ مرحلة المراجعة التي سبقت الامتحان كانت من أحلك وأصعب الفترات حيث انّه لم يكن متأكدا من قدرته على مراجعة كل المواد خاصة وانه كان يخضع لحصص التدليك التي فوّت العديد منها ثمنا لنجاحه ايضا في اجتياز فترة المراجعة..
اسماعيل لم ينس في مداخلته ان يشكر والديه اللذين سانداه وذاقا الأمرين بعد الحادث الذي تعرض اليه، قائلا انه لولاهما لما تمكن من حصد ذلك المعدل ولما تمكن من التحلي بالثقة بالنفس والتمتع بالعزيمة الكافية التي حققت جزءا من طموحاته. كما اعرب عن شكره ايضا لكافة الاطار التربوي الذي سهر على تدريسه بالمعهد النموذجي بقفصة مشيرا الى انّ اساتذته اختاروا التحول الى منزل والديه بعد تعرضه الى الحادث وعودته من صفاقس للتطوع في مساعدته في فترة المراجعة..
أمّا بخصوص تعليمه الجامعي والاختصاص الذي سيختار التوجه اليه، فأفاد اسماعيل «قاهر المرض وصانع التحدي» انّه بعد تعرضه لذلك الحادث الذي غيّر موازين حياته أصبح يتمنى التوجه لدراسة شعبة الطب التي سيتمكن بفضلها من إنقاذ أرواح الآخرين كما تم انقاذ حياته واعادته الى الحياة..
وعن امنيته التي يحلم بتحقيقها أخبرنا اسماعيل خوالدية انه يحلم بمواصلة دراسته الجامعية في الخارج والتي لن يتمكن من تحقيقها الا عبر تفاعل وزارة التربية ليكون من ضمن المتفوقين الذين قررت تخصيص منحة لهم لمواصلة دراستهم بالخارج..   

الطفل المعجزة لؤي «قاهر الظلام»

ومواصلة في تسليط الضوء على حكايات قصص النجاح التي حبكتها عقول زهور تونسية تحدت اليأس ومحت عبارة الهزيمة من معجمها، اليكم ما نجح في فعله ـ ومازال ـ الطفل لؤي بوعافية...
الطفل المعجزة لؤي بوعافية او كما اختار أن يلقّبه زملاؤه بالمدرسة الخاصة ابن سيناء بقفصة بـ»carte mémoire» نظرا لقوة ذاكرته وذكائه اللافت للنظر اللذين تحدّى بهما إعاقته البصرية التي لم تمنعه من منافسة اترابه والتميّز في مناظرة «السيزيام»، ليكون اول طفل تونسي كفيف تمكن من افتكاك احد المقاعد المخصصة للمتفوقين بالمدارس الاعدادية النموذجية بعد تحصله على معدل 16.
مصادرنا اكدّت انّ البطل الصغير لؤي وهو ابن كمال بوعافية احد الاطباء المعروفين بجهة قفصة،  ما كان يميّزه هو عزيمته على صنع ذاته والنجاح في حياته رغم انه حرم من نعمة البصر.
الطفل لؤي قدّم درسا للأسوياء أكّد من خلاله ان النجاح هدف لا يرى بالعينين بل يرى بالعقل والحدس المثابرة والاجتهاد.. وأكيد انّ الفضل كل الفضل لتميّزه يعود الى والديه اللذين دعماه وسانداه حتّى لا يشعر بالنقص بين زملائه واصدقائه نظرا للاعاقة البصرية التي اصابته، علاوة على نجاح الاطار التربوي بالمدرسة المذكورة في العناية به وخلق الظروف الملائمة لتميّزه ذلك انّ ادارة المدرسة حرصت على توفير لوحة رقمية ليستعين بها لؤي في دراسته..
وللاشارة فإنّ للذكاء في عائلة لؤي تاريخا، حيث انّ شقيقه الاكبر يدرس الطب خارج تونس وشقيقه الاخر يدرس بالمعهد النموذجي بقفصة.

الفتاة درصاف وقصة الكفاح...

أمّا الشابة اليانعة «المكافحة» درصاف فقد قدّمت درسا في الكفاح والعزيمة بعد نجاحها في تذليل الصعوبات الحياتية المادية التي تعترضها هي وعائلتها المعوزة ، حيث ان أفرادها الستة يقطنون في غرفة بمولد كهربائي قديم من مخلفات زمن الاستعمار بمعتمدية المتلوي التابعة لولاية قفصة..
درصاف تمكنت من حصد ثمار الجهد والكد اللذين بذلتهما فافتكت النجاح، واستطاعت التميز في امتحان الباكالوريا منذ دورتها الرئيسية فنحتت «العزيمة» عنوانا لمسار حياتها الذي قرّرت ان تغيّره بفضل تألقها..
وللتذكير فإنّ رسالة وصلتنا من أحد قراء أخبار الجمهورية بخصوص عائلة درصاف جاء فيها أنّ «هذه العائلة تتكون من 4 ابناء اضافة الى الأبوين ، ورغم قساوة الحياة.. تحفظ هذه العائلة كرامتها بجمع قوارير البلاستيك من قبل الاب وبيعها لاعادة رسكلتها لتوفير دينارات قليلة لسد الرمق، ورغم الظروف القاسية تمكنت ابنتهم من النجاح في الباكالوريا...»
 لكن يبقى السؤال المطروح اليوم هو كيف ستواصل درصاف دراستها، وكيف ستتمكن عائلتها من تغطية نفقات ترسيمها وإقامتها الجامعية والتنقل والأكل واللباس؟
سعاد الموفّق بين شهادة الوطن وشهادة النجاح...
الشابة المتألقة سعاد الموفق وهي اخت شهيدة احداث بن قردان الارهابية الطفلة سارة الموفق، تمكنت من النجاح في امتحان البكالوريا دورة المراقبة 2016 رغم انقطاعها عن الدراسة منذ سنوات ليكون نجاحها هديّة  لوالديها اللذين أهديا ابنتهما سارة قربانا لتونس الحبيبة. فهل يمكن ان ننسى ما قاله والدها السيد مبروك موفق وهو في ذروة احساسه بألم فقدانه فلذة كبده حيث قال: «بلادي قبل أولادي ووطني قبل بطني».
هذا وبادر وزير التربية ناجي جلول مؤخرا بتكريم التلميذة سعاد الموفق بعدما نالت شهادة الباكالوريا، وهنأها بالنجاح الذي أحرزته رغم الظروف الخاصّة والصعبة التي مرت بها اثر استشهاد شقيقتها في العملية الارهابية ببن قردان. وقد شكر الوزير سعاد على ما بذلته من مجهودات من أجل كسب الرهان والنجاح، واعدا إياها بمتابعة مسيرتها الدّراسية .
والجدير بالذكرأن التلميذة سعاد كانت قد عادت إلى مقاعد الدراسة بعد أربع سنوات من الانقطاع. وكان جلول قد حرص شخصيا على عودتها وتسجيلها بالباكالوريا في إطار البرنامج الوطني «المدرسة تستعيد أبناءها»

ملف من إعداد: منارة تليجاني